محسن غبن مديرالمنتدى
عدد المساهمات : 102 تاريخ الميلاد : 01/08/1990 تاريخ التسجيل : 08/07/2009 العمر : 34 الموقع : www.mohsenfone.info العمل/الترفيه : مهندس الالتكرونيات المزاج : عالى
| موضوع: السياسة في الفقه الحنفي: الأحد سبتمبر 06, 2009 9:41 am | |
| السياسة في الفقه الحنفي: وقد تكلم علماء المذهب الحنفي عن السياسة -أكثر ما تكلموا- عند حديثهم عن حد الزنى، وما ورد فيه من حديث نفي الزاني غير المحصن وتغريبه سنة عن بلده الذي حدثت فيه جريمة الزنى، فقد فسروا هذا التغريب: بأنه نوع من (السياسة) أو التعزير. فلا مانع أن يفعله الإمام أو القاضي النائب عنه للردع والتأديب إذا رأى في ذلك مصلحة، ولم يخشَ من ورائه فتنة. فهو من (السياسة الشرعية) المبرَّرة والمبنية على قواعد الشرع. وهنا تعرض علماء المذهب بهذه المناسبة للكلام عن السياسة. وقد استوفى ذلك علاّمة المتأخرين ابن عابدين في حاشيته الشهيرة، (رد المحتار على الدر المختار) ونقل فيها عن القُهستانيّ قوله: (السياسة لا تختص بالزنى، بل تجوز في كل جناية، والرأي فيها إلى الإمام -على ما في (الكافي)- كقَتْل مبتدع يُتَوَهَم منه انتشار بدعته وإن لم يُحكم بكفره، كما في (التمهيد)، وهي مصدر: ساس الوالي الرعية: أَمرَهم ونهاهم، كما في (القاموس) وغيره، فالسياسة استصلاح الخَلق بإرشادهم إلى الطريق المُنَجِّي في الدنيا والآخرة، فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كل منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء ورثة الأنبياء على الخاصة في باطنهم لا غير، كما في (المفردات)[15] وغيرها) اهـ، ومثله في (الدر المنتقى)[16]. قلتُ: (ابن عابدين) وهذا تعريف للسياسة العامة الصادقة على جميع ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام الشرعية، وتستعمل أخص من ذلك مما فيه زجر وتأديب ولو بالقتل، كما قالوا في اللوطي والسارق والخنَّاق: إذا تكرر منهم ذلك حلَّ قتلهم سياسة، وكما مر في المبتدع، ولذا عرَّفها بعضهم: بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد، وقوله: لها حكم شرعي معناه: أنها داخلة تحت قواعد الشرع وإن لم يُنَصَّ عليها بخصوصها، فإن مدار الشريعة بعد قواعد الإيمان على حسم مواد الفساد لبقاء العالم. ولذا قال في (البحر)[17]: (وظاهر كلامهم أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يَرِد بذلك الفعل دليل جزئي) اهـ وفي (حاشية مسكين) عن (الحموي): (السياسة شرع مُغَلَّظ، وهي نوعان: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تُخرج الحق من الظالم، وتدفع كثيرا من المظالم. وتردع أهل الفساد، وتُوصِل إلى المقاصد الشرعية، فالشريعة توجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع، فمن أراد تفصيلها فعليه بمراجعة كتاب (مُعين الحكام) للقاضي (علاء الدِّين الأسود الطرابلسي الحنفي)) اهـ.قلتُ: (ابن عابدين) (والظاهر أن السياسة والتَّعزير مترادفان، ولذا عطفوا أحدهما على الآخر لبيان التفسير، كما وقع في (الهداية) و(الزيلعي) وغيرهما، بل اقتصر في (الجوهرة) على تسميته تعزيرا، وسيأتي أن التعزير تأديب دون الحد، من العَزْر بمعنى الرَّد والردع، وأنه يكون بالضرب وغيره، ولا يلزم أن يكون بمقابلة معصية، ولذا يضرب ابن عشر سنين على الصلاة، وكذلك السياسة كما مر في نفي (عمر) لـ (نصر بن حجاج)، فإنه ورد أنه قال لـ (عمر): ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا ذنب لك، وإنما الذنب لي؛ حيث لا أطهر دار الهجرة منك[18]. فقد نفاه؛ لافتتان النساء به، وإن لم يكن بصنعه، فهو فِعلٌ لمصلحة، وهي قطع الافتتان بسببه في دار الهجرة التي هي من أشرف البقاع، ففيه رَد وردع عن منكر واجب الإزالة! وقالوا: إن التعزير موكول إلى رأي الإمام. فقد ظهر لك بهذا أن باب التعزير هو المتكفل لأحكام السياسة، وسيأتي بيانه، وبه عُلِم أن فعل السياسة يكون من القاضي أيضا، والتعبير بالإمام ليس للاحتراز عن القاضي، بل لكونه هو الأصل والقاضي نائب عنه في تنفيذ الأحكام)[19]. ويبدو من كلام فقهاء الحنفية: أن السياسة تتعلَّق بجانب العقوبات والتأديب لا تتعداه. ولذا قالوا: إن السياسة والتعزير مترادفان. والذي أرجحه: أن السياسة أعم من التعزير، فهي تدخل في أكثر من مجال في شؤون العادات والمعاملات: من الإدارة والاقتصاد والسلم والحرب والعلاقات الاجتماعية والدستورية والدولية وغيرها. وسنرى أن تعريف الإمام ابن عقيل للسياسة أوسع وأوفى مما ذكره من ذكره من علماء الحنفية وغيرهم. فقد عرف السياسة بأنها: كل تصرف من ولي الأمر يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يأت به الشرع، بشرط ألا يخالف ما جاء به الشرع. وهو ما سنبحث عنه في ما يلي. | |
|