[size=18]
الفصل الثاني
مفهوم كلمة (السياسة) لغة واصطلاحا
السياسة في اللغة: مصدر ساس يسوس سياسة.
فيقال: ساس الدابة أو الفرس: إذا قام على أمرها من العَلَف والسقي والترويض والتنظيف وغير ذلك.
وأحسب
أن هذا المعنى هو الأصل الذي أُخِذ منه سياسة البشر. فكأن الإنسان بعد أن
تمرس في سياسة الدواب، ارتقى إلى سياسة الناس، وقيادتهم في تدبير أمورهم.
ولذا قال شارح القاموس: ومن المجاز: سُسْتُ الرعية سياسة: أمرتهم ونهيتهم.
وساس الأمر سياسة: قام به. والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه[1].
وتعرِّفها موسوعة العلوم السياسية الصادرة عن جامعة الكويت -نقلا عن معجم (روبير)- بأنها: (فن إدارة المجتمعات الإنسانية).
وحسب معجم (كامل): (تتعلَّق السياسة بالحكم والإدارة في المجتمع المدني).
وتبعا
لمعجم العلوم الاجتماعية: تشير السياسة إلى: (أفعال البشر التي تتَّصل
بنشوب الصراع أو حسمه حول الصالح العام، والذي يتضمن دائما: استخدام
القوة، أو النضال في سبيلها).
ويذهب المعجم القانوني إلى تعريف السياسة أنها: (أصول أو فن إدارة الشؤون العامة)[2].
كلمة (السياسة) في تراثنا الإسلامي
إذا
عرفنا مفهوم كلمة (السياسة) لغة واصطلاحا، فينبغي أن نبحث عنها في تراثنا
الإسلامي، وفي فقهنا وفكرنا الإسلامي، وفي مصادرنا الإسلامية.
هل
نجدها في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، وفي فقه المذاهب المتبوعة، أو
غيره من الفقه الحر؟ وهل نجدها عند غير الفقهاء من المتكلمين والمتصوفة
والحكماء والفلاسفة؟
وكيف تحدث هؤلاء وأولئك عن السياسة؟ وما الموقف الشرعي المستمد من الكتاب والسنة من هذا كله؟
كلمة (السياسة) لم ترد في القرآن:
كلمة
(السياسة) لم ترد في القرآن الكريم، لا في مكيِّه، ولا في مدنيِّه، ولا أي
لفظة مشتقة منها وصفا أو فعلا. ومن قرأ (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن
الكريم) يتبين له هذا. ولهذا لم يذكرها الراغب في (مفرداته). ولا (معجم
ألفاظ القرآن) الذي أصدره مجمع اللغة العربية.
وقد يتخذ بعضهم من هذا دليلا على أن القرآن -أو الإسلام- لا يعني بالسياسة ولا يلتفت إليها.
ولا ريب أن هذا القول ضَرْب من المغالطة، فقد لا يوجد لفظ ما في القرآن الكريم، ولكن معناه ومضمونه مبثوث في القرآن.
أضرب
مثلا لذلك بكلمة (العقيدة) فهي لا توجد في القرآن، ومع هذا مضمون العقيدة
موجود في القرآن كله، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر، بل العقيدة هي المحور الأول الذي تدور عليه آيات القرآن الكريم.
ومثل ذلك كلمة (الفضيلة) فهي لا توجد في القرآن، ولكن القرآن مملوء من أوله إلى آخره بالحثِّ على الفضيلة، واجتناب الرذيلة.
فالقرآن
وإن لم يجئ بلفظ (السياسة) جاء بما يدل عليها، وينبئ عنها، مثل كلمة
(المُلك) الذي يعني حكم الناس وأمرهم ونهيهم وقيادتهم في أمورهم.
جاء
ذلك في القرآن بصيغ وأساليب شتَّى، بعضها مدح، وبعضها ذم. فهناك المُلك
العادل، وهناك المُلك الظالم، المُلك الشُورِي، والمُلك المستبد.
ذكر القرآن في المُلك الممدوح: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء:54].
وذكر من آل إبراهيم: يوسف الذي ناجى ربه فقال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} [يوسف:101]، وإنما قال من المُلك، لأنه لم يكن مستقلا بالحكم، بل كان فوقه مَلِك، هو الذي قال له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54].
وممَّن آتاهم الله المُلك: طالوت، الذي بعثه الله مَلِكا لبني إسرائيل، ليقاتلوا تحت لوائه، {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} [البقرة:247].
وذكر القرآن من قصته مع جالوت التي أنهاها القرآن بقوله: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة:251].
وكذلك سليمان الذي آتاه الله مُلْكا لا ينبغي لأحد من بعده.
وممَّن
ذكره القرآن من الملوك: ذو القرنين الذي مكَّنه الله في الأرض وآتاه الله
من كل شيء سببا، واتسع مُلكه من المغرب إلى المشرق، وذكر الله تعالى قصته
في سورة الكهف، مثنيا عليه.