محسن غبن مديرالمنتدى
عدد المساهمات : 102 تاريخ الميلاد : 01/08/1990 تاريخ التسجيل : 08/07/2009 العمر : 33 الموقع : www.mohsenfone.info العمل/الترفيه : مهندس الالتكرونيات المزاج : عالى
| موضوع: دور ابن القيم في توضيح السياسة الشرعية: الأحد سبتمبر 06, 2009 9:43 am | |
| دور ابن القيم في توضيح السياسة الشرعية: والحق أني لم أجد من الفقهاء في تاريخنا، من تكلم عن السياسة الشرعية وشرحها فأحسن شرحها، وكَشَف اللثام عن مفهومها، وبين الفرق بين السياسة العادلة، والسياسة الظالمة، وأن الأولى إنما هي جزء من الشريعة، وليست خارجة عنها، ولا قسيما لها، مثل الإمام ابن القيم (ت751هـ) رحمه الله، في كتابين من كتبه: (إعلام الموقعين) و(الطُّرق الحُكمية). ويحسن بنا أن ننقل كلامه هنا لما فيه من قوة الحجة، ونصاعة البيان، المؤيد بالبرهان. يقول رحمه الله في (الطُّرق الحُكمية) مُعلِّقا على ما قاله الإمام الحنبلي أبو الوفا ابن عقيل (ت513هـ)، الذي قال عنه ابن تيمية: كان من أذكياء العالم. وكل الذين درسوا ابن عقيل يعلمون أنه رجل بالغ الذكاء، موسوعي المعرفة، حُرُّ التفكير. قال: (قال ابن عقيل في (الفنون): جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم. ولا يخلو من القول به إمام. فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك: (إلا ما وافق الشرع) أي لم يخالف ما نطق به الشرع؛ فصحيح. وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع: فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن. ولو لم يكن إلا تحريق عثمان المصاحف[20]، فإنه كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي رضي الله عنه، الزنادقة في الأخاديد، فقال: لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قُنْبرا[21] ونفي عمر رضي الله عنه لنصر بن حجاج اهـ. قال ابن القيم مُعلِّقا: (وهذا موضع مَزَلَّة أقدام، ومَضَلَّة أفهام. وهو مقام ضنك، ومعترك صعب. فرط فيه طائفة: فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرَّؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها. وسدوا على نفوسهم طُرُقا صحيحة من طُرُق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها، مع علمهم وعلم غيرهم قطعا: أنها حق مطابق للواقع، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع. ولَعَمْرُ الله! إنها لم تناف ما جاء به الرسول، وإن نَفَتْ ما فهموه هم من شريعته باجتهادهم. والذي أوجب ذلك: 1. نوع تقصير في معرفة الشريعة. 2. وتقصير في معرفة الواقع. 3. وتنزيل أحدهما على الآخر.فلما رأى ولاة الأمور ذلك، وأن الناس لا يستقيم لهم أمر، إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة: أحدثوا من أوضاع سياستهم شرّا طويلا، وفسادا عريضا. فتفاقم الأمر، وتعذر استدراكه، وعزَّ على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك، واستنقاذها من تلك المهالك. وأفرطت طائفة أخرى، قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله وحكم رسوله. وكلا[22] الطائفتين أُتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه. فإن الله سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات. فإن ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان: فثَمَّ شرع الله ودينه. والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طُرُق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة، وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها. بل قد بيَّن سبحانه بما شرعه من الطُّرُق: أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط: فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدِّين، ليست مخالفة له) اهـ.وصدق ابن القيم حين بيَّن أن العيب ليس في الشريعة، وإنما في الذين يسدون كل باب لرعاية المصالح، والنظر في المقاصد، والتدبر في المآلات والموازنات والأولويات، ويضيقون على الناس ما وسع الله عليهم، ويضيعون على الأمة مصالح كثيرة بسوء فَهمهم وتزمتهم وجمودهم. وفي مقابلهم: المفَرّطون المتسيبون الذين لا يقفون عند حدود الله، ولا يتقيدون بنصوص القرآن والسنة، وقد رأينا في عصرنا منهم الكثير، فهم يزينون للأمراء والحكام ما يريدون، ويجعلون الشريعة عجينة لينة في أيديهم، يشكلونها بأهوائهم وأهواء سادتهم، كما يحلو لهم.والحق بين تضييع هؤلاء، وغلو أولئك. ونعود لنستكمل مقولة ابن القيم، فهو يقول: (فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه. ونحن نسميها (سياسة) تبعا لمصطلحكم. وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الأمارات والعلاما | |
|